ملخّص
بعد أربع سنوات من حصارها خرجت سراييفو حطاماً. قُتل حوالي 11,000 مدني، تضررت أو دُمّرت 60 بالمئة من المباني، وعُطّل 80 بالمئة من المرافق العامة. عندما انتهت الحرب في 1995، حصل “تحوّل ثلاثي” عبر البوسنة والهرسك: الانتقال من الحرب إلى السلم، من الشيوعية إلى الديمقراطية، ومن اشتراكية السوق إلى اقتصاد السوق الحر. قوبلت الجهود الدولية لإعادة إعمار سراييفو مادّيّاً ببعض النجاح حيث زالت بشكل واسع ندوب الحرب المرئية وشفيت المدينة من العنف. ولكن لم تستكمل إعادة البناء، كما بقي إرث الحرب حاضراً في المدينة.
تشير استطلاعات الرأي في البوسنة والهرسك إلى استياء عارم من الوضع السياسي ومؤسسات الدولة، في ظل استمرار قضايا خطيرة تخص البطالة واللامساواة والصلح الاجتماعي. قرابة 90 بالمئة من البوسنيين يعتقدون أن بلدهم تذهب في الاتجاه الخاطئ، بينما يشعر ثلاثة أرباع المواطنين في كانتون (مقاطعة) سراييفو أن مؤسسات الدولة تمثلهم، كما تؤيد الغالبية العظمى منهم التغيير السياسي. اكتسى التحوّل الثلاثي بالصعوبات، فالانقسامات العرقية الآن أوسع من أي وقت مضى. ورغم أن 88 بالمئة من السكان يرغبون بعلاقات أفضل مع الطوائف الأخرى، لم يُنجَز سوى القليل في اتجاه التصالح الوطني. أما الاقتصاد، فتهيمن عليه الممارسات الإجرامية والفساد، وليس الأسواق المفتوحة الخاضعة للمساءلة.
تنبع هذه المشاكل من النهج الذي اتبعه المجتمع الدولي واللاعبين المحليين في إعادة بناء سراييفو. تم مقاربة العملية من منظور فيزيائي وفشلت المجموعات الدولية والمحلية في استعادة المؤسسات وكبح الممارسات الفاسدة ومواجهة الحركات السياسية القومية التي استغلت التركيبة السياسية المعقدة الناتجة عن اتفاقية دايتون عام 1995. صحيحٌ أن كل مدينة وحالة ما بعد الصراع فريدَتين، ولكن يمَكِّننا تقييم الاخفاقات التي واجهتها سراييفو خلال إعادة بنائها من استنباط خمسة دروس بيّنة لأي عملية إعادة إعمار:
- من الضروري أن يخطط لإعادة الإعمار استراتيجياً لشمل القطاعات المختلفة المعنية بالعملية. فضعف التنسيق بين المانحين والحكومة المحلية وسكان سراييفو حال دون إعادة إعمار ناجحة.
- يجب تمكين القدرات المؤسساتية قبل بدء إعادة البناء. كان من الممكن تجاوز العديد من الإخفاقات في سراييفو لو تم ترتيب التخطيط العمراني، بالإضافة إلى بنى الإدارة والحوكمة، خلال السنوات المبكرة.
- من اللازم تطبيق إجراءات الرقابة ومكافحة الفساد من البداية. ويجب على كل من متلقي الدعم والمانحين تشكيل نظم ضابطة صارمة، وإخضاع القادة المحليين للمساءلة، ووضع آليات لحجب الرواتب أو التمويل في قضايا الفساد الكبرى.
- يجب أن تترافق إعادة الإعمار مع النمو الاقتصادي، ودعم العائدين يعتمد على توفّر فرص العمل لهم. يجب رسم سياسات تشريعية للاقتصاد والأعمال تجعل بدء المشاريع عملية سلسة.
- من الضروري النظر إلى إعادة الإعمار كمنظومة بيئية متكاملة. البناء الوظيفي الخالص للجوانب الماديّة غير كافِ للنهوض بمدينة تنبض بالحياة. كما يجب أن يسخِّر واضعو السياسات المبادرات التعليمية والاقتصادية والثقافية لإعادة إحياء الحياة المدنية.