مقابلة مع بكري حاج بكري، طالب سوري مقيم في لايبزيغ، ألمانيا.
مثل الكثير من الشباب السوريين التوّاقين لإكمال دراستهم والساعين إلى حياة كريمة بعيدة عن الحرب، بكري حاج بكري قطع طريقاً طويلاً من حلب الشهباء إلى لايبزيغ الألمانية.
الحياة المدرسية لعبت دوراً أساسياً في التكوّن الشخصي والفكري عند بكري. تلقّى تعليمه الثانوي في مدرسة مازن دباغ الواقعة في منطقة السريان الجديدة المعروفة بتنوعها السكاني. “في المدرسة،” يتذكر بكري “كان لي أصدقاء من مختلف الطوائف العرقية – كأكراد وعرب وأرمن – والدينية – كمسيحيين وسنة وعلويين وحتى يهود. هذا الواقع الجميل جعلني أدرك أنني أعيش في مجتمع متعدد الأطياف ومتنوع.”
قضى بكري معظم حياته الجامعية (2007-2011) في جامعة القلمون الخاصة الواقعة في ديرعطية، ريف دمشق. الجامعة لم تكن متاحة لسائر الطبقات الإجتماعية بسبب الرسوم العالية إلا أنها جمعت سوريين كثر من مناطق وخلفيات مختلفة. ما شدّ بكري إلى هذه المؤسسة التعلمية هي فرصة التعلّم باللغتين العربية والانكليزية في مجال العلاقات الدولية والدبلوماسية غير المتوفرة في الجامعات الأخرى في وقتها.
عاملين أساسيين دفعا بكري لمغادرة سوريا. بكري كان قد خطط لإكمال درجة الماجستير في ألمانيا قبل نشوب الحرب في سوريا. يشرح بكري أن “ألمانيا دولة مناسبة لأن تكاليف العيش فيها رخيصة مقارنة مع دول أوروبا الغربية وبنفس الوقت مستوى التعليم عالي ومقبول عالمياً.” الدافع الثاني هو خطر التجنيد الإلزامي المتعلق بالحرب السورية.”
***
قضى بكري سنة كاملة وهو يتعلم اللغة الألمانية الصعبة. يقول أنه “بالرغم من الفرص المتاحة، ألمانيا ليست ملاذاً خالياً من المشاكل والصعوبات كما يظنها الكثير من السوريين. فالمثابرة والجهد المضاعف شرطان أساسيان للنجاح.” في عام 2014 حصّل بكري مقعداً دراسياً في جامعة لايبزيغ كطالب ماجيستير في العلوم السياسية ولم تبقى إلا ساعات دراسية قليلة قبل أن ينهي دراسته. يضيف بكري بشيئ من الطرافة ويقول بالعامية الحلبية “يخرب بيت هل اللغة! لك اتخيل، اللغة المستعملة بحصص نظريات العلوم السياسية الدسمة صعبة مو بس علي أنا بل ع زملائي الألمان!”
مشروع حلب: إلى جانب اللغة ما هي ابرز التحديات التى يواجهها الطلاب السوريين في ألمانيا؟
بكري: بالحديث عن أبرز التحديات إن كان على الصعيد الشخصي أو على صعيد الوسط المحيط، فبالإضافة الى العائق الكبير أي اللغة هناك تحدي تأمين قبول جامعي. فالطالب السوري ملزم منذ فترة ما تقارب الثلاثة سنوات الأخيرة بدراسة سنة تحضيرية قبل تقديمه على الجامعات الألمانية مثله مثل جميع الطلاب الأجانب في ألمانيا. لم يكن هذا الأمر مطلوباً من قبل، فشهادة البكالوريا السورية كان معترف فيها في ألمانيا.
هناك أيضاً التحدي المادي لتأمين فترة الدراسة. حُلّ هذا الأمر في السنتين الأخيرتين من خلال دعم الحكومة الألمانية للطلاب السوريين وإن كان بدرجات متفاوتة. بمعنى آخر، لا يستطيع كل الطلاب السوريين الحصول على هذا الدعم، لانه هناك شروط وإثباتات عليك تقديمها للحصول على الدعم الحكومي، ومن الصعب للبعض تأمينها أو قد لا تتوافر فيهم الشروط .
البعض لديه مشاكل بالدراسة ليس فقط لصعوبة النظام التعليمي وخصوصاً في مجالي الطب والصيدلية بل لعدم الدراية الكافية بالنظام التعليمي. يجب أن لا ننسى أيضاً قلق بعضهم المستمر على عائلتهم في سوريا أو في أي دولة مجاورة وعدم الأستقرار مما يؤثر على دراسة عدد من الطلاب وعدم قدرتهم على التركيز أو التوقف البعض منهم عن الدراسة للعمل وتأمين مساعدة مالية لأهاليهم.
تتعدد الأسباب والتحديات باختلاف الأفراد وتجاربهم الشخصية ولكن هذه بشكل عام أبرز التحديات. في واقع الأمر، تشكل المساعدة التي يقدمها الطلاب السوريين لبعضهم البعض الجزء الأساسي في تجاوز هذه التحدايات ومن ثم يأتي دور الجهات الحكومية الألمانية أو الجهات غير الحكومية الألمانية في تقديم مساعدات كبيرة ليس فقط للسوريين بل للطلاب الاجانب بشكل عام.
أملي كبير في السوريين والسوريات وقدرتهم على تجاوز هذا الأمتحان الصعب، وإن لم يفلح بعضهم فهذا أمر طبيعي.
مشروع حلب: هل تشجع الحكومة والشعب الألماني السوريين على الحفاظ على ثقافتهم؟
بكري: صراحة هذا الموضوع كبير وواسع ولا أستطيع الاجابة عليه بشكل دقيق، ولكن ألمانيا دولة قانون والقانون يحترم جميع البشر بمختلف أعراقهم ودياناتهم ويمنحهم حق ليس فقط الأحتفاظ ولكن أيضا بالتعبير عن معتقداتهم وعاداتهم. ولا تستطيع أي حكومة كانت سواء كانت محافظة أو اشتراكية اللعب بهذا الموضوع والحد من حقوق المقيميين في ألمانيا. بالنسبة للشعب الألماني الموضوع مختلف من مدينة لأخرى بل من شخص لأخر، ولا أستطيع القول ان الألمان يشجعون السوريين على الحفاظ على ثقافتهم لأنه السؤال هنا، ماذا نعني هنا بالضبط بكلمة ثقافة. الوعي عند الطرفين مطلوب وتقبل الآخر بغض النظر عن خلفيته أو شكله أو طريقة حياته مهم بالاضافة الى العمل سوية لإيجاد عالم ثالث بديل جامع بين الطرفين.
مشروع حلب: كيف ترى مستقبل السوريين في ألمانيا؟
بكري: لن أبالغ وأقول أن مستقبل السوريين زاهر ومشرق، على مبدأ أن سوريا مهد الحضارات والأديان ولا ننتج إلا العباقرة. في الحقيقة المشوار صعب وطويل ويلزمه جهد وصبر ولكن توقعاتي أن السوريين مع مرور الزمن سينشغلوا أكثر بقضاياهم المحلية وأمورهم اليومية أكثر من الوطن الأم سوريا. دعنا لا ننسى أن جيل من الأطفال أو الشباب السوريين اليافعين القادمين إلى ألمانيا أو اللذين يولدون في الوقت الحالي لا يعروفون شيئا عن سوريا. أنا أملي بهذا الجيل كبير.
مشروع حلب: كيف تتصور حل الصراع في سورية؟
بكري: في الحقيقة من الصعب بالوقت الراهن الحديث بأي تنبأ أو تصور للأزمة السورية. الحرب السورية معقدة جداً ومتداخلة، و حدة الاستقطاب فيها عالي. لدي أمل بدولة تحترم الجميع بمختلف أعراقهم وأطيافهم، كرامة الانسان فيها مصانة ومحترمة، بعيدا عن كل تلك الافكار القومية أوالدينية أوالديكتاتورية. الدولة السورية انهارت بالكامل وتفككت وبحاجة لعمل وجهد طويل لاعادة بناء ما تهدم. سيكون هنالك صعوبة في اعادة انتاج نظام جديد على آثار النظام القديم المنهار يستطيع تحقيق الاسقرار والسلام بين مكونات المجتمع السوري المختلفة.
***
بكري يشتاق لحلب وهو في الغربة. “اشتقت للمدينة القديمة بأسواقها وشوارعها وأبنيتها. اشتقت للناس واللهجة الحلبية والصرعة [الضجيج]. و بالتأكيد اشتقت للأكل الحلبي.”
كشاب سوري قضى معظم حياته في سوريا وكمقيم في ألمانيا منذ 2012، يعتقد بكري حاج بكري أن هناك على الأقل عاملين أساسيين لعملية اندماج اجتماعي ناجح في ألمانيا. أولاً: “لعقود عاش السوريون في بلد حيث حكم القانون ضعيف. بالإضافة إلى الانضباط والانتظام، يجب أن يغير السوريون الموجودون في ألمانيا بعض عاداتهم ويتأقلموا مع حقيقة أن القانون فوق كل شيء في ألمانيا. ثانياً: الألمان بشكل عام أناس منفتحون ويشعرون بهموم وصعوبات السوريين ولكن أحياناً لديهم خوف غير معلن من الأجانب. يجب أن يتجاوزوا هذه العقدة.”