اصطف الأخوة جورج و جوزيف واختهم الصغرى نانسي مع والدتهم جينا على شرفة منزلهم ، كل بيده قطعة زجاج تتناسب مع عمره و حجمه ينتظرون ساعة الصفر. و ما أن حلت الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل في الأول من تموز حتى انهمرت امطار الزجاج من شرفات المنازل لكسر الشر، فإذ بها تسكت أصوات المدافع و الرشاشات التي لم تهدأ طوال أربعة أعوام في حلب.لا عجب في ان هذا العام قد شهد عودة قوية لتقليد كسر الزجاج، الذي يمارسه السريان، و الآشوريون و الكلدان و الأرمن بصورة خاصة في مدينة حلب، و الذي يعبر عن كسر الشرور بتكسير الزجاج. لسنوات كان الكثير من الأجيال الحديثة في حلب من أبناء الطوائف المسيحية المذكورة أعلاه، قد تخلوا عن هذه العادة السنوية، باعتبار انها خرافة. إلا اننا نجدها في هذا العام ممثلة للأمل بالسلام في حلب الجريحة.
قال مجد 23 عام:” عندما سمعت أصوات الزجاج المنهمر من الشرفات، أحسست بالأمان، و أدركت بأنه ما زال هناك سكان في حيينا لم يهاجروا او يقتلوا خلال هذه الحرب”.
أما بالنسبة لجاكلين 52 عاماً فقد قررت في هذا العام ان تشارك بهذا الطقس، كما عبرت :”لأفش خلقي شوي، لا مي، لا كهرباء، لا مازوت، هاون هون و قذيفة هون، الواحد ديفش خلقو بشي”.
خلال سؤالي عن معنى هذا الطقس بالنسبة للناس، فكان رد معظمهم، بأنه تقليد قديم اعتادوا على ممارسته منذ الصغر، ليس بالضرورة ايماناً به، بل للأمل او “فش الخلق”. في الحقيقة، إن هذا التقليد هو احتفال آشوري قديم بعيد “زواج الآلهة”، ففي الأول من تموز، هبط الاله تموز من عالم الآلهة العلوي، ليتزوج عشتار آلهة الخصب في العالم السفلي، و بذلك تم انهاء الصراع بين آلهة العالمين العلوي و السفلي، حيث قضى هذا الزواج على الشر. بالرغم من عدم معرفة الكثير من المحتفلين بمعنى هذا العيد، الا انه يمثل اصراراً على البقاء في الأرض المرتبط بالأمل الذي لعله يكسر شرهذه الحرب.
رامي عبود، باحث سوري من مدينة حلب، مختص في الدراسات الشرق الأوسطية، و النزاعات المسلحة بالتركيزعلى سورية و فلسطين. حاصل على درجة الماجستير في السياسة و العلاقات الدولية في الشرق الأوسط من جامعة إكزيتر في بريطانيا. عمل كباحث مساعد في قسم الدراسات الشرق أوسطية مع الدكتور مايكل دامبر في جامعة اكزيتر، و هو يشارك حالياً في دراسة يرعاها المركز الأوروبي للدراسات الفلسطينية ، حول مفهوم الدولة الاستيطانية في فلسطين، و تغير مفهوم العنف في مرحلة ما بعد النزاع و نشوء إسرائيل في عام 1948. مبحثه الرئيسي هو النزاع المسلح في حلب، بحيث يحاول رسم الرواية التاريخية لهذا النزاع بصورة تسهم في تقديم دليل للبناء الاجتماعي لمرحلة ما بعد الحرب. للتواصل اضغط على الرابط التالي LinkedIn